الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَتَفْسِيرُهَا وَسَبَبُ نُزُولِهَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: بِذَلِكَ وَإِذَا سَأَلَكَ يَا مُحَمَّدُ عِبَادِي عَنِّي: أَيْنَ أَنَا؟ فَإِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ أَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ، وَأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي مِنْهُمْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي «سَائِلٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَأَنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} الْآيَةَ». حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدَةَ السِّجِسْتَانِيِّ عَنِ الصُّلْبِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ رَبُّنَا؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الْآيَة. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِمَسْأَلَةِ قَوْمٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَّ سَاعَةٍ يَدْعُونَ اللَّهَ فِيهَا؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سُورَةَ غَافِرٍ: 60] قَالُوا: فِي أَيِّ سَاعَةٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} إِلَى قَوْلِهِ: " لَعَلَّهُمْ يَرُشُدُونَ ". حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَيَّ سَاعَةٍ نَدْعُو! فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: لَمَا نَزَلَتْ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قَالَ النَّاسُ: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ سَاعَةٍ نَدْعُو! فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، قَالَ: لَيْسَ مَنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يَدْعُو اللَّهَ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَدْعُو بِهِ هُوَ لَهُ رِزْقٌ فِي الدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا ذَخَرَهُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَدَفَعَ عَنْهُ بِهِ مَكْرُوهًا. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ صَالِحٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَعْطَى أَحَدٌ الدُّعَاءَ وَمُنِعَ الْإِجَابَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. وَمَعْنَى مُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيلِ: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي: أَيَّ سَاعَةٍ يَدْعُونَنِي؟ فَإِنِّي مِنْهُمْ قَرِيبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِّ إِذَا دَعَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْلِ قَوْمٍ قَالُوا- إِذْ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}-: إِلَى أَيْنَ نَدْعُوهُ!
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 115]. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْمٍ قَالُوا: كَيْفَ نَدْعُو؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قَالَ رِجَالٌ: كَيْفَ نَدْعُو يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} إِلَى قَوْلِهِ: " يُرْشِدُونَ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ. يُقَالُ مِنْهُ: " اسْتَجَبْتُ لَهُ، وَاسْتَجَبْتُهُ"، بِمَعْنَى أَجَبْتُهُ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الْغَنَوِيُّ: وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبٌ يُرِيدُ: فَلَمْ يَجُبْهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلَهُ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، قَالَ: فَلْيُطِيعُوا لِي، قَالَ: " الِاسْتِجَابَةُ"، الطَّاعَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِهِ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}: فَلْيَدْعُونِي
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، فَلْيَدْعُونِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلْيُصَدِّقُوا. أَيْ: وَلْيُؤْمِنُوا بِي، إِذَا هُمُ اسْتَجَابُوا لِي بِالطَّاعَةِ، أَنِّي لَهُمْ مِنْ وَرَاءِ طَاعَتِهِمْ لِي فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَإِجْزَالِي الْكَرَامَةَ لَهُمْ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الَّذِي تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، أَنَّهُ بِمَعْنَى: فَلْيَدْعُونِي، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي}، وَلْيُؤْمِنُوا بِي أَنِّي أَسْتَجِيبُ لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي}، يَقُولُ: أَنِّي أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَعَلَّهُمْ يَرشُدُونَ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ، وَلْيُؤْمِنُوا بِي فَيُصَدِّقُوا عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّايَ بِالثَّوَابِ مِنِّي لَهُمْ، وَلْيَهْتَدُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ فَيُرْشِدُوا، كَمَا:- حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، يَقُولُ: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ؟ فَأَنْتَ تَرَى كَثِيرًا مِنَ الْبَشَرِ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُجَابُ لَهُمْ دُعَاءٌ، وَقَدْ قَالَ: {أُجِيبُ دَعْوَةِ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}؟ قِيلَ: إِنَّ لِذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا " بِالدَّعْوَةِ"، الْعَمَلُ بِمَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ. فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ؛ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنَّى قَرِيبٌ مِمَّنْ أَطَاعَنِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَتُهُ بِهِ، أُجِيبُهُ بِالثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّايَ إِذَا أَطَاعَنِي. فَيَكُونُ مَعْنَى " الدُّعَاءِ ": مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ رَبَّهُ وَمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ بِعَمَلِهِمْ بِطَاعَتِهِ، وَمَعْنَى " الْإِجَابَةِ " مِنَ اللَّهِ الَّتِي ضَمَّنَهَا لَهُ، الْوَفَاءَ لَهُ بِمَا وَعَدَ الْعَامِلِينَ لَهُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَة». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ يُسَيْعَ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سُورَةَ غَافِرٍ: 60]. فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ عِبَادَتُهُ وَمَسْأَلَتُهُ، بِالْعَمَلِ لَهُ وَالطَّاعَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ذُكِرَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِّ إِذَا دَعَانِ إِنْ شِئْتُ. فَيَكُونُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا مخرُجُهُ فِي التِّلَاوَةِ، خَاصًّا مَعْنَاهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {أَحِلُّ لَكُمْ}، أُطْلِقُ لَكُمْ وَأُبِيحُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {لَيْلَةَ الصِّيَامِ}، فِي لَيْلَةِ الصِّيَامِ. فَأَمَّا " الرَّفَثُ " فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، يُقَالُ: " هُوَ الرَّفَثُ وَالرُّفُوثُ ". وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: " أَحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفُوثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ". وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ " الرَّفَثِ " قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّفَثُ، الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يَكْنِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّفَثُ؛ النِّكَاحُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الرَّفَثُ: غِشْيَانُ النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَالَ: الْجِمَاعُ. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّفَثُ: هُوَ النِّكَاحُ. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الضِّحَاكُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، قَالَ: هُوَ الْجِمَاعُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، يَقُولُ: الْجِمَاعُ. " وَالرَّفَثُ " فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، الْإِفْحَاشُ فِي الْمَنْطِقِ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ: عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: نِسَاؤُكُمْ لِبَاسٌ لَكُمُ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ نِسَاؤُنَا لِبَاسًا لَنَا، وَنَحْنُ لَهُنَّ لِبَاسًا وَ " اللِّبَاسُ " إِنَّمَا هُوَ مَا لُبِسَ؟ قِيلَ: لِذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعَانِي: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُعِلَ لِصَاحِبِهِ لِبَاسًا، لِتَجَرُّدِهِمَا عِنْدَ النَّوْمِ، وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَانْضِمَامِ جَسَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بمنَزَّلَةِ مَا يَلْبَسُهُ عَلَى جَسَدِهِ مِنْ ثِيَابِهِ، فَقِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: هُوَ " لِبَاسٌ " لِصَاحِبِهِ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ: إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا *** تَدَاعَتْ، فكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا وَيُرْوَى: " تَثَنَّتْ " فَكَنَى عَنِ اجْتِمَاعِهِمَا مُتَجَرِّدِينَ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ بِـ " اللِّبَاسَ)، كَمَا يُكْنَى بِـ " الثِّيَابِ " عَنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ، كَمَا قَالَتْلَيْلَى وَهِيَ تَصِفُ إِبِلًا رَكِبَهَا قَوْمٌ: رَمَوْهَا بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ، فَلا تَرَى *** لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ الْمُنَفَّرَا يَعْنِي: رَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكِبُوهَا. وَكَمَا قَالَ الْهُذَلِيُّ: تَبَرَّأَ مِنْ دَمِ الْقَتيلِ وَوَتْرِهِ *** وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ الْقَتِيلِ إِزَارُهَا يَعْنِي بِـ " إِزَارُهَا)، نَفْسَهَا. وَبِذَلِكَ كَانَ الرَّبِيعُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، يَقُولُ: هُنَّ لِحَافٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِحَافٌ لَهُنَّ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ " لِبَاسًا"، لِأَنَّهُ سَكَنٌ لَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [سُورَةَ الْفُرْقَانِ: 47]، يَعْنِي بِذَلِكَ سَكَنًا تَسْكُنُونَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ سَكَنُهُ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سُورَةَ الْأَعْرَافِ: 189] فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " لِبَاسًا " لِصَاحِبِهِ، بِمَعْنَى سُكُونِهِ إِلَيْهِ. وَبِذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ لِمَا سَتَرَ الشَّيْءَ وَوَارَاهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ: " هُوَ لِبَاسُهُ، وَغِشَاؤُهُ"، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، بِمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سِتْرٌ لِصَاحِبِهِ- فِيمَا يَكُونُ بَيْنَكُمْ مِنَ الْجِمَاعِ- عَنْ أَبْصَارِ سَائِرِ النَّاسِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، يَقُولُ: سَكَنٌ لَهُنَّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، قَالَ قَتَادَةُ: هُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ سَكَنٌ لَهُنَّ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} يَقُولُ: سَكَنَ لَكُمْ {وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، يَقُولُ: سَكَنَ لَهُنَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، قَالَ: الْمُوَاقَعَةُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ يَزِيدُ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} قَالَ: هُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ سَكَنٌ لَهُنَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا هَذِهِ الْخِيَانَةُ الَّتِي كَانَ الْقَوْمِ يَخْتَانُونَهَا أَنْفُسَهُمُ، الَّتِي تَابَ اللَّهُ مِنْهَا عَلَيْهِمْ فَعَفَا عَنْهُمْ؟ قِيلَ: كَانَتْ خِيَانَتُهُمْ أَنْفُسَهُمُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: جِمَاعُ النِّسَاءِ، وَالْآخِرُ: الْمَطْعَمُ وَالْمَشْرَبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ حَرَامًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ فَنَامَ لَمْ يَأْتِهَا، وَإِذَا نَامَ لَمْ يَطْعَمْ، حَتَّى جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: قَدْ كُنْتَ نِمْتَ! فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَوَقَعَ بِهَا. قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ، فَقَالُوا: نُسَخِّنُ لَكَ شَيْئًا؟... قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ كَانُوا يَصُومُونَ، فَإِذَا لَمَّ يَأْكُلُ الرَّجُلُ عِنْدَ فِطْرِهِ حَتَّى يَنَامَ، لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مَثَلِهَا، وَإِنْ نَامَ أَوْ نَامَتِ امْرَأَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا إِلَى مَثَلِهَا. فَجَاءَ شَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: أَطْعَمُونِي. فَقَالَتْ: حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا سُخْنًا! قَالَ: فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ. ثُمَّ جَاءَ عُمْرُ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ! فَلَمْ يَعْذُرْهَا، وَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ، فَوَاقَعَهَا. فَبَاتَ هَذَا وَهَذَا يَتَقَلَّبَانِ لَيْلَتَهُمَا ظَهْرًا وَبَطْنًا، فأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، وَقَالَ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}، فَعَفَا اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَتْ سُنَّةً. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا، فَإِذَا نَامُوا تَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ. فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى أَبَا صِرْمَةَ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ فِطْرِهِ نَامَ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا قَدْ جُهِدَ. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا لِي أَرَى بِكَ جُهْدًا! فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ. وَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فِي شَأْنِ النِّسَاءِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، إِلَى آخَرَ الْآيَة». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ- نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى- قَالَ: كَانُوا إِذَا صَامُوا وَنَامَ أَحَدُهُمْ، لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْغَدِ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَدْ عَمِلَ فِي أَرْضٍ لَهُ وَقَدْ أَعْيَا وَكَلَّ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ، وَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ مَجْهُودًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مَثَلِهَا، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، وَكَانَ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَعَمِلَ فِي أَرْضِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ. فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ، وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ قَالَتْ: قَدْ نِمْتَ! فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إِلَى {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا صَلَّوُا الْعِشَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ النِّسَاءُ وَالطَّعَامُ إِلَى مَثَلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ. ثُمَّ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا الطَّعَامَ وَالنِّسَاءَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَشَاءِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَشَكَوَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} يَعْنِي انْكِحُوهُنَّ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى بَنِي سَلَمَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ إِذَا صَامَ الرَّجُلُ فَأَمْسَى فَنَامَ، حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنَ الْغَدِ. فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ سَمَرَ عِنْدَهُ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ، فَأَرَادَهَا فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ! فَقَالَ: مَا نِمْتِ! ثُمَّ وَقَعَ بِهَا. وَصَنَعَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ. فَغَدَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ: أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَاقِعَ أَهْلَهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} إِلَى: {وَعَفَا عَنْكُمْ}. كَانَ النَّاسُ أَوَّلَ مَا أَسْلَمُوا إِذَا صَامَ أَحَدُهُمْ يَصُومُ يَوْمَهُ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى طَعِمَ مِنَ الطَّعَامِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَمَةِ، حَتَّى إِذَا صُلِّيَتْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ حَتَّى يُمْسِيَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ. وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ إِذْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ فَأَتَى أَهْلَهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَلِمَا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُومُ نَفْسَهُ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتَ مِنَ الْمَلَامَةِ. ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ، فَانَّهَا زَيَّنَتْ لِي فَوَاقَعْتُ أَهْلِي! هَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَمْ تَكُنْ حَقِيقًا بِذَلِكَ يَا عُمْرُ! فَلَمَّا بَلَغَ بَيْتَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَضَعَهَا فِي الْمِائَةِ الْوُسْطَى مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إِلَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الَّذِي فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فأَنْزَلَ اللَّهُ عَفْوَهُ. فَقَالَ: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إِلَى: {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فَأَحِلُّ لَهُمُ الْمُجَامَعَةَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الصُّبْحُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الصِّيَامَ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَإِذَا رَقَدَ حَرُمَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِ إِلَى مَثَلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ. وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَحَلَّ [ذَلِكَ] لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ وَقَبْلَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا أَمْسَى- ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِمَّنِ اخْتَانَ نَفْسَهُ، فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ وَقَبْلَهُ، وَفِي اللَّيْلِ كُلِّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَرُوسَ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا- قَدْ سَمَّاهُ [فَنَسِيتُهُ]- مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ، جَاءَ لَيْلَةً وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَا تَنَمْ حَتَّى نَصْنَعَ لَكَ طَعَامًا! فَنَامَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: نِمْتَ وَاللَّهِ! فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ! قَالَتْ: بَلَى وَاللَّهِ! فَلَمْ يَأْكُلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَصْبَحَ صَائِمًا فَغُشى عَلَيْهِ، فأُنْزِلَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ. حَدَّثَنَا بِشَرٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} وَكَانَ بَدْءُ الصِّيَامِ أُمِرُوا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْنِ غَدْوَةٌ، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً، فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي صِيَامِهِمْ- فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي أَوَّلِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ- إِذَا أَفْطَرُوا، وَكَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَغِشْيَانُ النِّسَاءِ لَهُمْ حَلَالًا مَا لَمْ يَرْقُدُوا، فَإِذَا رَقَدُوا حَرُمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إِلَى مَثَلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ. وَكَانَتْ خِيَانَةُ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ أَوْ يَنَالُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغِشْيَانِ النِّسَاءِ بَعْدَ الرُّقَادِ، وَكَانَتْ تِلْكَ خِيَانَةَ الْقَوْمِ أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ [بَعْدَ] ذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَغِشْيَانَ النِّسَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَالَ: كَانَ النَّاسُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا رَقَدَ أَحَدُهُمْ مِنَ اللَّيْلِ رَقْدَةً، لَمْ يَحِلَّ لَهُ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، فَوَقَعَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ بَعْدَ هَجْعَتِهِ أَوْ شَرِبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَرَخَّصَ اللَّهِ ذَلِكَ لَهُمْ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى رَمَضَانُ، وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا بَعْدَ النَّوْمِ، وَلَا يَنْكِحُوا النِّسَاءَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَكُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَعُ النَّصَارَى حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ وَكَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأَجْرِ فَأَتَى أَهْلَهُ بِتَمْرٍ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: اسْتَبْدِلِي بِهَذَا التَّمْرِ طَحِينًا فَاجْعَلِيهِ سَخِينَةً، لَعَلِّي أَنْ آكُلَهُ، فَإِنَّ التَّمْرَ قَدْ أَحْرَقَ جَوْفِي! فَانْطَلَقَتْ فَاسْتَبْدَلَتْ لَهُ، ثُمَّ صَنَعَتْ فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَنَامَ، فَأَيْقَظَتْهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَأَصْبَحَ صَائِمًا؛ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَشِيِّ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا قَيْسٍ! أَمْسَيْتَ طَلِيحًا؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. «وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ- فِي نَاسٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَمْلِكُوا أَنْفُسَهُمْ- فَلَمَّا سَمِعَ عُمْرُ كَلَامَ أَبِي قَيْسٍ، رَهِبَ أَنْ يَنْزِلَ فِي أَبِي قَيْسٍ شَيْءٌ، فَتَذَّكَّرَ هُوَ، فَقَامَ فَاعْتَذَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُعَوِّذُ بِاللَّهِ إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَتِي، وَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي الْبَارِحَةَ! فَلَمَّا تَكَلَّمَ عُمْرُ تَكَلَّمَ أُولَئِكَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَنُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}،- يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَقَعُونَ عَلَيْهِنَّ خِيَانَةً- {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}- يَقُولُ: جَامِعُوهُنَّ، وَرَجَعَ إِلَى أَبِي قَيْسٍ فَقَالَ-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَالَ: كَانُوا فِي رَمَضَانَ لَا يَمَسُّونَ النِّسَاءَ وَلَا يَطْعَمُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ بَعْدَ أَنْ يَنَامُوا حَتَّى اللَّيْلِ مِنَ الْقَابِلَةِ، فَإِنْ مَسُّوهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا لَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا. فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ نَامَ، فَقَالَ: قَدِ اخْتَنْتُ نَفْسِي! فنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَأَحَلَّ لَهُمُ النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الصَّائِمُ مِنْهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَإِذَا رَقَدَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ حَتَّى كَمِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ: وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَعَفَا عَنْهُمْ وَأَحَلَّ لَهُمْ بَعْدَ الرُّقَادِ وَقَبْلَهُ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} مِثْلُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ- وَزَادَ فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَا تَرْقُدِي حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَرَقَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْتَ بِرَاقِدَةٍ! ثُمَّ أَصَابَهَا، حَتَّى جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الْآيَةَ فِي أَبِي قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ أَكَلَ بَعْدَ الرُّقَادِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنْ صِرْمَةَ بْنَ أَنَسٍ أَتَى أَهْلَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمْ يُهَيِّئُوا لَهُ طَعَامًا، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَأَغْفَى، وَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ بِطَعَامِهِ فَقَالَتْ لَهُ: كُلْ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ! قَالَتْ: إِنَّكَ لَمْ تَنَمْ! فَأَصْبَحَ جَائِعًا مَجْهُودًا، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. فَأَمَّا " الْمُبَاشِرَةُ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُ مُلَاقَاةُ بَشَرَةٍ بِبَشَرَةٍ، وَ " بَشَرَةُ " الرَّجُلِ: جِلْدَتُهُ الظَّاهِرَةُ. وَإِنَّمَا كَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} عَنِ الْجِمَاعِ. يَقُولُ: فَالْآنَ إِذْ أَحْلَلْتُ لَكُمُ الرَّفَثَ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَجَامِعُوهُنَّ فِي لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ تَبَيُّنُ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي " الْمُبَاشَرَةِ " قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحُمَيْدِ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُبَاشِرَةُ الْجِمَاعُ، وَلَكُنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يَكْنِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فَالْآنَ بَاشَرُوهُنَّ " انْكِحُوهُنَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُبَاشِرَةُ النِّكَاحُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَوْلَهُ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} قَالَ: الْجِمَاعُ. وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْ ذِكْرِ " الْمُبَاشِرَةِ " فَهُوَ الْجِمَاعُ نَفْسُهُ، وَقَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ مِثْلُ قَوْلِ عَطَاءٍ: فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّسَاءِ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُبَاشِرَةُ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَكْنِي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَبُو بِشْرٍ أَخْبَرَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنَ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: " فَالْآنَ بَاشَرُوهُنَّ " يَقُولُ: جَامِعُوهُنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُبَاشِرَةُ الْجِمَاعُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: الْمُبَاشِرَةُ، فِي كِتَابِ اللَّهِ، الْجِمَاعُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: الْمُبَاشِرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، الْجِمَاعُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَلَدُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْبَصَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ الْكَاتِبُ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلَهُ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ حَدَّثَنَا أَبُو مَوْدُودٌ بَحْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّىِّ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فَهُوَ الْوَلَدُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يَعْنِي: الْوَلَدَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ، فَإِنْ لَمْ تَلِدْ هَذِهِ فَهَذِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: هُوَ الْوَلَدُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: مَا كَتَبَ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْجِمَاعُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضِّحَاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ قَوْلَهُ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: الْوَلَدُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ. قَالَ أَبُو هِشَامٍ: هَكَذَا قَرَأَهَا مُعَاذٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} قَالَ: لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ وَرَخَّصَهُ لَكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يَقُولُ: مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ: ابْتَغُوا الرُّخْصَةَ الَّتِي كَتَبْتُ لَكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ: (وَاتَّبِعُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: " وَابْتَغُوا " أَوْ " اتَّبَعُوا "؟ قَالَ: أَيَّتَهُمَا شِئْتَ! قَالَ: عَلَيْكَ بِالْقِرَاءَةِ الْأُولَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: " وَابْتَغُوا "- بِمَعْنَى: اطْلُبُوا- " مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ " يَعْنِي " الَّذِي قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اطْلُبُوا الَّذِي كَتَبْتُ لَكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ يُبَاحُ فَيُطْلَقُ لَكُمْ، وَطَلَبُ الْوَلَدِ إِنْ طَلَبَهُ الرَّجُلُ بِجِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ، مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَبَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَهُوَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَبَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَبَاحَهُ، فَهُوَ مِمَّا كَتَبَهُ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} جَمِيعُ مَعَانِي الْخَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَشْبَهَ الْمَعَانِي بِظَاهِرِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ وَابْتَغَوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} بِمَعْنَى: جَامِعُوهُنَّ، فَلَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} بِمَعْنَى: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ فِي مُبَاشَرَتِكُمْ إِيَّاهُنَّ مِنَ الْوَلَدِ وَالنَّسْلِ، أَشْبَهُ بِالْآيَةِ مَنْ غَيْرِهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَيْسَ عَلَى صِحَّتِهَا دَلَالَةٌ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا خَبَرَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}، ضَوْءَ النَّهَارِ، وَبِقَوْلِهِ: {الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} سَوَادَ اللَّيْلِ. فَتَأْوِيلُهُ عَلَى قَوْلِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ: وَكَّلُوا بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ صَوْمِكُمْ، وَاشْرَبُوا، وَبَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ مبتغينَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْوَلَدِ، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى أَنْ يَقَعَ لَكُمْ ضَوْءُ النَّهَارِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قَالَ: اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قَالَ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فَهُمَا عَلَمَانِ وَحَدَّانِ بَيِّنَانِ فَلَا يَمْنَعُكُمْ أَذَانُ مُؤَذِّنٍ مِرَاءً، أَوْ قَلِيلَ الْعَقْلِ مِنْ سَحُورِكُمْ، فَإِنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِهَجِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ طَوِيلٍ. وَقَدْ يُرَى بَيَاضٌ مَا عَلَى السَّحَرِ يُقَالُ لَهُ: " الصُّبْحُ الْكَاذِبُ " كَانَتْ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ، فَلَا يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْ سُحُورِكُمْ، فَإِنَّ الصُّبْحَ لَا خَفَاءَ بِهِ: طَرِيقَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي الْأُفُقِ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الصُّبْحُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَمْسِكُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} يَعْنِي اللَّيْلِ مِنَ النَّهَارِ، فَأُحِلَّ لَكُمُ الْمُجَامَعَةُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الصُّبْحُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ الصُّبْحُ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْمُجَامَعَةُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَتَّى يُتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. فَأَمَرَ بِصَوْمِ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِالْإِفْطَارِ بِاللَّيْلِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}؟ قَالَ: إِنَّكَ لِعَرِيضِ الْقَفَا، قَالَ: هَذَا ذَهَابُ اللَّيْلِ وَمَجِيءُ النَّهَارِ. قِيلَ لَهُ: الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ. وَعِلَّةُ مِنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مَجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْلُ اللَّهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}؟ قَالَ: هُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنِي الْإِسْلَامَ، وَنَعَتَ لِيَ الصَّلَوَاتِ؛ كَيْفَ أُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَكُلْ وَاشْرَبْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتَمَّ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. وَلَمْ أَدْرِ مَا هُوَ، فَفَعَلْتُ خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، فَنَظَرَتْ فِيهِمَا عِنْدَ الْفَجْرِ، فَرَأَيْتُهُمَا سَوَاءً. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ أَوْصَيْتَنِي قَدْ حَفِظْتُ، غَيْرَ " الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ "! قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ يَا ابْنَ حَاتِمٍ؟ وَتَبَسَّمَ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا فَعَلْتُ. قُلْتُ: فَتَلْتُ خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ فَنَظَرْتُ فِيهِمَا مِنَ اللَّيْلِ فَوَجَدْتُهُمَا سَوَاءً! فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُئِيَ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ " مِنَ الْفَجْرِ "؟ إِنَّمَا هُوَ ضَوْءُ النَّهَارِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ وَابْنُ عُلَيَّةَ جَمِيعًا، عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا "الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ" أَهُمَا خَيْطَانِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ؟ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فَلِمَ يَنْزِلْ " مِنَ الْفَجْرِ " قَالَ: فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَالْخَيْطَ الْأَبْيَضَ، فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ. فأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: " مِنَ الْفَجْرِ " فَعَلِمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ مُتَأَوَّلُو قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أَنَّهُ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ-: صِفَةُ ذَلِكَ الْبَيَاضِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَشِرًا مُسْتَفِيضًا فِي السَّمَاءِ يَمْلَأُ بَيَاضُهُ وَضَوْءُهُ الطُّرُقَ، فَأَمَّا الضَّوْءُ السَّاطِعُ فِي السَّمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: الضَّوْءُ السَّاطِعُ فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِالصُّبْحِ، وَلَكِنَّ ذَاكَ " الصُّبْحُ الْكَاذِبُ"، إِنَّمَا الصُّبْحُ إِذَا انْفَضَحَ الْأُفُقُ. حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السِّوَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يُعِدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمُ هَذَا، كَانُوا يُعِدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ: مَا كَانُوا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّ الْفَجْرَ الَّذِي يَسْتَفِيضُ فِي السَّمَاءِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُمَا فُجَرَانِ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْطَعُ فِي السَّمَاءِ فَلَيْسَ يُحِلُّ وَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الَّذِي يَسْتَبِينُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ هُوَ الَّذِي يُحَرِّمُ الشَّرَابَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخْعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «الْفَجْرُ فَجْرَانِ، فَالَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَأَمَا الْمُسْتَطِيرُ الَّذِي يَأْخُذُ الْأُفُقَ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الصَّوْمَ». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَوادةَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُق». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَوَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَا يَغْرَنَّكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْدُوَ الْفَجْرُ وَيَنْفَجِر». وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ: هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَافَرَ أَبِي مَعَ حُذَيْفَةَ قَالَ: فَسَارَ حَتَّى إِذَا خَشِينَا أَنْ يَفْجَأَنَا الْفَجْرُ قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مَنْ أَحَدٍ آكِلٍ أَوْ شَارِبٍ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ فَلَا. قَالَ: بَلَى! قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ نَزَلَ فَتَسَحَّرَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ إِلَى الْمَدَائِنِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ آكِلٍ أَوْ شَارِبٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ فَلَا. قَالَ: لَكِنِّي! قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ، قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَسَحَّرَ؟ قَالَ: قُلْنَا أَمَّا مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ فَلَا. قَالَ: لَكِنِّي! ثُمَّ نَزَلَ فَتَسَحَّرَ، ثُمَّ صَلَّى. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: رُبَّمَا شَرِبْتَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ- يَعْنِي فِي رَمَضَانَ-: " قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ". قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَفْعَلَ لَهُ مِنْ الْأَعْمَشِ وَذَلِكَ لِمَا سَمِعَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ نَسِيرُ لَيْلًا فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ مُتَسَحِّرٌ السَّاعَةَ؟ قَالَ: ثُمَّ سَارَ، ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ: هَلْ مِنْكُمْ مُتَسَحِّرٌ السَّاعَةَ؟ قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى اسْتَبْطَأْنَا الصَّلَاةَ، قَالَ: فَنَزَلَ فَتَسَحَّرَ. حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ قَالَ: هَذَا حِينَ يَتَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَطَّارُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تَسَحَّرْتُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: اشْرَبْ. فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ تَسَحَّرْتُ! فَقَالَ: اشْرَبْ! فَشَرِبْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ، فَأَخْرَجَ فَضْلًا مِنْ سَحُورِهِ، فَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجْنَا فَصَلَّيْنَا. حَدَّثَنَا خَلَّادَ بْنَ أَسْلَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ فَوْقَ سَطْحٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَتَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُلْتُ: أَلَّا تَأْكُلْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: أَنْ كُفَّ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَأْكُلْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: أَنْ كُفَّ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ: أَلَا تَأْكُلْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَى الْفَجْرِ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ: أَنْ كُفَّ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَلَا تَأْكُلْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: هَاتِ غَدَاءَكَ! قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغَيَّرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الْوَتَرُ بِاللَّيْلِ وَالسَّحُورُ بِالنَّهَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ غَيْرُ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: السُّحُورُ بِلَيْلٍ، وَالْوَتَرُ بِلَيْلٍ. حَدَّثَنَا حكام عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْمُغَيَّرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: السَّحُورُ وَالْوَتَرُ مَا بَيْنَ التَّثْوِيبِ وَالْإِقَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حِبَّانَ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ خَرَجْنَا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّيْنَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ شَبِيبٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَرَرْتُ بِعَلِيٍّ وَهُوَ فِي دَارِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: صَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حِينَ يَتَبَيَّنُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. وَعِلَّةُ مِنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّ الْقَوْلَ إِنَّمَا هُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ. قَالُوا: وَأَوَّلُ النَّهَارِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، كَمَا أَنَّ آخِرَهُ غُرُوبُهَا. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ أَوَّلُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ غُرُوبَ الشَّفَقِ. قَالُوا: وَفِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ آخِرَ النَّهَارِ غُرُوبُ الشَّمْسِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ طُلُوعُهَا. قَالُوا: وَفِي الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَسَحَّرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَرٍّ «عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: تَسَحَّرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَوْ أَشَاءُ لَأَقُولُ هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُع». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: مَا كَذَبَ عَاصِمٌ عَلَى زَرٍّ وَلَا زَرٍّ عَلَى حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَسَحَّرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَرٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَسَحَّرُ وَأَنَا أَرَى مَوَاقِعَ النَّبْلِ. قَالَ: قُلْتُ أَبَعْدَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: هُوَ الصُّبْحُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ وَخَلَّادٌ الصَّفَارُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ «عَنْ زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: أَصْبَحْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: لَوْ مَرَرْتُ عَلَى بَابِ حُذَيْفَةَ! فَفَتَحَ لِي فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ يُسَخَّنُ لَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى تَطْعَمَ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ. فَقَرَّبَ طَعَامَهُ فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى لِقْحَةٍ فِي الدَّارِ، فَأَخَذَ يَحْلُبُ مِنْ جَانِبٍ وأحلُبُ أَنَا مِنْ جَانِبٍ، فَنَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَى الصُّبْحَ؟ فَقَالَ: اشْرَبْ! فَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي بِآخِرِ سَحُورٍ تَسَحَّرتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: هُوَ الصُّبْحُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْس». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ، فَلَا يَضَعُهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْه». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ- وَزَادَ فِيهِ: «وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْر». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍْ قَالَا جَمِيعًا، عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالْإِنَاءُ فِي يَدِ عُمْرَ قَالَ: أَشْرَبُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ!، فَشَرِبَهَا». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ بِلَالٌ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوذِنَهُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّوْمَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ بِلَالٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوذِنُهُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ يُرِيدُ الصِّيَامَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، التَّأْوِيلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ " بَيَاضُ النَّهَارِ، " وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ " سَوَادُ اللَّيْل». وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ أَبُو دُؤَادٍ الْإِيَادِيُّ: فَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا سُدْفَةٌ *** وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ شَرِبَ أَوْ تَسَحَّرَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ- صَلَاةُ الْفَجْرِ- هِيَ عَلَى عَهْدِهِ كَانَتْ تُصَلَّى بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيَتَبَيَّنُ طُلُوعَهُ وَيُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِهِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَسَحَّرُ وَأَنَا أَرَى مَوَاقِعَ النَّبْل»، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتُثْبِتَ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ: أَبْعَدَ الصُّبْحِ؟ فَلَمْ يَجُبْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: " هُوَ الصُّبْحُ ". وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: هُوَ الصُّبْحُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِعَيْنِهِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: " هَذَا فُلَانٌ " شِبْهًا، وَهِيَ تُشِيرُ إِلَى غَيْرِ الَّذِي سَمَّتْهُ، فَتَقُولُ: " هُوَ هُوَ " تَشْبِيهًا مِنْهَا لَهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ: " هُوَ الصُّبْحُ، مَعْنَاهُ: هُوَ الصُّبْحُ شِبْهًا بِهِ وَقُرْبًا مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي مَعْنَى " الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ " مَا: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قَالَ: " الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ " الَّذِي يَكُونُ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ، يَكْشِفُ اللَّيْلَ- " وَالْأُسْوَدُ " مَا فَوْقَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مِنَ الْفَجْرِ} فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْنِي: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْفَجْرِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ الْفَجْرِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْفَجْرِ ذَلِكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ الَّذِي فَوْقَهُ سَوَادُ اللَّيْلِ، فَمِنْ حِينَئِذٍ فَصُومُوا، ثُمَّ أَتِمُّوا صِيَامَكُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى اللَّيْلِ. وَبِمَثَلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {مِنَ الْفَجْرِ} قَالَ: ذَلِكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هُوَ مِنَ الْفَجْرِ نِسْبَةً إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْفَجْرَ كُلَّهُ، فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْخَيْطُ، وَهُوَ أَوَّلُهُ، فَقَدْ حَلَّتِ الصَّلَاةُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: حَلَالٌ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ مِنَ الْفَجْرِ يَتَبَيَّنُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ أَوَائِلِ الْفَجْرِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ حَدًّا لِمَنْ لِزَمَهِ الصَّوْمُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَبَاحَ إِلَيْهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْمُبَاشَرَةَ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ الْحَدَّ، قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَجَازَ لَهُ آخَرَ ذَلِكَ ضَحْوَةً أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ؟ فَإِنْ قَالَ: إِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأُمَّةِ. قِيلَ لَهُ: وَأَنْتَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَنَقْلُ الْأُمَّةِ مُخَالِفٌ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ فَإِنْ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِصَوْمِ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ يَقُولُ مُخَالِفُوكَ، وَالنَّهَارُ عِنْدَهُمْ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَذَلِكَ هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَابْتِدَاءُ طُلُوعِهَا دُونَ أَنْ يَتَتَامَّ طُلُوعُهَا، كَمَا أَنَّ آخِرَ النَّهَارِ ابْتِدَاءُ غُرُوبِهَا دُونَ أَنْ يَتَتَامَّ غُرُوبُهَا. وَيُقَالُ لِقَائِلِي ذَلِكَ إِنَّ كَانَ " النَّهَارُ " عِنْدَكُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ، هُوَ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ، وَتَكَامُلُ طُلُوعِهَا وَذَهَابُ جَمِيعِ سُدْفَةِ اللَّيْلِ وَغَبَسِ سَوَادِهِ- فَكَذَلِكَ عِنْدَكُمْ " اللَّيْلُ ": هُوَ تَتَامُّ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَذَهَابُ ضِيَائِهَا، وَتَكَامُلُ سَوَادِ اللَّيْلِ وَظَلَامِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ كَذَلِكَ! قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَذَهَابِ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَبَيَاضِهَا مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ! فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ كَذَلِكَ! أَوْجَبُوا الصَّوْمَ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ بَيَاضٌ. وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالُوهُ مَدْفُوعٌ بِنَقْلِ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيمَا نَقَلْتُهُ مُجَمَّعَةً عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ [وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا] عَلَى تَخْطِئَتِهِ. وَإِنْ قَالُوا: " بَلْ أَوَّلُ اللَّيْلِ " ابْتِدَاءُ سُدْفَتِهِ وَظَلَامِهِ وَمَغِيبِ عَيْنِ الشَّمْسِ عَنَّا. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ " أَوَّلُ النَّهَارِ ": طُلُوعُ أَوَّلِ ضِيَاءِ الشَّمْسِ، وَمَغِيبُ أَوَائِلِ سُدْفَةِ اللَّيْلِ. ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَيُسْأَلُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَأَمَّا " الْفَجْرُ " فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: " تَفَجَّرَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ فَجْرًا"، إِذَا انْبَعَثَ وَجَرَى، فَقِيلَ لِلطَّالِعِ مِنْ تَبَاشِيرِ ضِيَاءِ الشَّمْسِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ " فَجْرٌ"، لِانْبِعَاثِ ضَوْئِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَوَرُّدِهِ عَلَيْهِمْ بِطُرُقِهِمْ وَمُحَاجِّهِمْ، وَتَفَجُّرِ الْمَاءِ الْمُتَفَجِّرِ مِنْ مَنْبَعِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَدَّ الصَّوْمَ بِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ إِقْبَالُ اللَّيْلِ- كَمَا حَدَّ الْإِفْطَارَ وَإِبَاحَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَأَوَّلَ الصَّوْمِ بِمَجِيءِ أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ إِدْبَارِ آخِرِ اللَّيْلِ، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا صَوْمَ بِاللَّيْلِ، كَمَا لَا فِطْرَ بِالنَّهَارِ فِي أَيَّامِ الصَّوْمِ وَعَلَى أَنَّ الْمُوَاصِلَ مُجَوِّعٌ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ رَبِّهِ. كَمَا:- حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمْرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالُوا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمْ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي. قَالُوا: لَوْ أَمْسَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ! قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا! فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ، فنَزَّلَ فَجَدَحَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا- وَضَرَبَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ رُفَيْعٍ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَأَنْتَ مُفْطِرٌ إِنْ شِئْتَ فَكُلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْالْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ: افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ صَوْمَ النَّهَارِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَهُوَ مُفْطِرٌ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَة: أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ- يَعْنِي: أَنَّهَا كَرِهَتِ الْوِصَالَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ وِصَالِ مَنْ وَاصَلَ؟ فَقَدْ عَلِمَتْ بِمَا: حَدَّثَكُمْ بِهِ أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَبِرَ جَعَلَهَا خَمْسًا، فَلَمَّا كَبِرَ جَدًّا جَعَلَهَا ثَلَاثًا. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي يَعْمُرَ يُفْطِرُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: كَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ لَيْلَةَ سِتَ عَشْرَةَ وَلَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ مَاذَا تَجِدُهُ يُقَوِّيكَ فِي وِصَالِكَ؟ قَالَ: السَّمْنُ أشرُبُهُ أَجِدُهُ يُبَلُّ عُرُوقِي، فَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ جَسَدِي. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ، مِمَّنْ يَطُولُ بِذِكْرِهِمُ الْكِتَابُ؟ قِيلَ: وَجْهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى طَلَبِ الْخُمُوصَةِ لِنَفْسِهِ وَالْقُوَّةِ لَا عَلَى طَلَبِ الْبِرِّ لِلَّهِ بِفِعْلِهِ. وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِقَوْلِهِ: " اخْشَوْشِنُوا وَتَمَعْدَدُوا، وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا، وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ وَامْشُوا حُفَاةً ". يَأْمُرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّخَشُّنِ فِي عَيْشِهِمْ، لِئَلَّا يَتَنَعَّمُوا فَيَرْكَنُوا إِلَى خَفْضِ الْعَيْشِ وَيَمِيلُوا إِلَى الدَّعَةِ فَيَجْبُنُوا وَيَحْتَمُوا عَنْ أَعْدَائِهِمْ. وَقَدْ رَغِبَ- لِمَنْ وَاصَلَ- عَنِ الْوِصَالِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ كَانَ يُوَاصِلُ مِنَ الْأَيَّامِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقُومَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَوْ أَدْرَكَ هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمُوهُ. ثُمَّ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ الَّتِي يَطُولُ بِإِحْصَائِهَا الْكِتَابُ تَرَكْنَا ذِكْرَ أَكْثَرِهَا اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ بَعْضِهَا، إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِ مَا ذَكَرْنَا مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى كَرَاهَةِ الْوِصَالِ بِغَيْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبِيدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أَبَيْتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى». وَقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنُ بِالْوِصَالِ مِنَ السِّحَرِ إِلَى السَّحَرِ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُوَاصِلُ! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبَيْتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِي». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ الْعَبْسِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ «عَنْ أُمِّ وَلَدِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: أَنَّهَا مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَدَعَاهَا إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، قَالَ: وَكَيْفَ تَصُومِينَ؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ وِصَالِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ». فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إذًا: ثُمَّ أَتِمُّوا الْكَفُّ عَمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالْكَفِّ عَنْهُ، مِنْ حِينِ يَتَبَيَّنُ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ حَلَّ لَكُمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ إِلَى مَثَلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ. كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ، فَقَرَأَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَكَانَ أَبِي وَغَيْرُهُ مَنَّ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ هَذَا وَيَتْلُونَهُ عَلَيْنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ- بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} لَا تُجَامِعُوا نِسَاءَكُمْ. وَبِقَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يَقُولُ: فِي حَالِ عُكُوفِكِمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَتِلْكَ حَالُ حَبْسِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فِي مَسَاجِدِهِمْ. " وَالْعُكُوفُ " أَصْلُهُ الْمَقَامُ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا قَالَ الطِّرِمَّاحُ بْنُ حَكِيمٍ: فَبَاتَ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْلِيَ عُكَّفًا *** عُكُوفَ الْبَواكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: " عُكَّفًا"، مُقِيمَةً، وَكَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ: تَرَى حَوْلَهُنَّ الْمُعْتَفِينَ كأنَّهُمْ *** عَلَى صَنَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُكَّفُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى " الْمُبَاشِرَةِ " الَّتِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ الْجِمَاعُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي " الْمُبَاشَرَةِ ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}- فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ أَنْ يَنْكِحَ النِّسَاءَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ: الْجِمَاعُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الضِّحَاكِ قَالَ: كَانُوا يُجَامِعُونَ وَهُمْ مُعْتَكِفُونَ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الضِّحَاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ جَامَعَ إِنْ شَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يَقُولُ: لَا تَقْرَبُوهُنَّ مَا دُمْتُمْ عَاكِفِينَ فِي مَسْجِدٍ وَلَا غَيْرِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضِّحَاكِ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كَانَ أُنَاسٌ يُصِيبُونَ نِسَاءَهُمْ وَهُمْ عَاكِفُونَ فِيهَا فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَقِيَ امْرَأَتَهُ بَاشَرَهَا إِنْ شَاءَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} يَقُولُ: مَنِ اعْتَكَفَ فَإِنَّهُ يَصُومُ، لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءَ مَا دَامَ مُعْتَكِفًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ: الْجِوَارُ، فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ خَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا اعْتَكَفُوا يَخْرُجُ الرَّجُلُ فَيُبَاشِرُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى الْغَائِطِ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى اعْتِكَافِهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: نُهُوا عَنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ، حَيْثُ كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُجَامِعُ، فَقَالَ: " لَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ " قَالَ: " عَاكِفُونَ " الْجِوَارُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْجِمَاعُ الْمُبَاشِرَةُ؟ قَالَ: الْجِمَاعُ نَفْسُهُ! فَقُلْتُ لَهُ: فَالْقُبْلَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَسَّةُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا حُرِّمَ فَالْجِمَاعُ، وَأَنَا أُكَرِّهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ. حُدِّثْتُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضِّحَاكِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} يَعْنِي الْجِمَاعَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي " الْمُبَاشَرَةِ " مِنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَجِمَاعٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَا يَمَسُّ الْمُعْتَكِفُ امْرَأَتَهُ، وَلَا يُبَاشِرُهَا، وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، قُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ: الْمُبَاشِرَةُ الْجِمَاعُ وَغَيْرُ الْجِمَاعِ، كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، قَالَ: " الْمُبَاشِرَةُ " بِغَيْرِ جِمَاعٍ، إِلْصَاقُ الْجِلْدِ بِالْجِلْدِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ بِالنَّهْي عَنِ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ. فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ، حَتَّى تَأْتِيَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا بِأَنَّهُ عَنَى بِهِ مُبَاشَرَةً دُونَ مُبَاشَرَةٍ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْجِمَاعُ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَ الْجِمَاعِ، مِمَّا أَوْجَبَ غُسْلًا إِيجَابَهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَحَدَ قَوْلَيْنِ: إِمَّا جَعْلُ حُكْمِ الْآيَةِ عَامًّا، أَوْ جَعْلُ حُكْمِهَا فِي خَاصٍّ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ نِسَاءَهُ كُنَّ يُرَجِّلَنْهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، عُلِمَ أَنَّ الَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ الْبَعْضُ دُونَ الْجَمِيعِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عُمْرَةَ «عَنْ عَائِشَة أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُه». حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمْرَةَ: «أَنْ عَائِشَة قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَكَانَ يُدْخِلُ عَلَيَّ رَأَسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأَسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأُرَجِّلُهُ». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ وَيَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فَيُخْرِجُ إِلَيَّ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَاكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُسْعِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمِيعًا، عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَهُوَ مُعْتَكِف». فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَسْلِ عَائِشَة رأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} غَيْرُ جَمِيعِ مَا لَزِمَهُ اسْمُ " الْمُبَاشِرَةِ " وَأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ الْبَعْضَ مِنْ مَعَانِي الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْجَمِيعِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَجْمَعًا عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مِمَّا عُنِيَ بِهِ، كَانَ وَاجِبًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ عَلَى الْمُعْتَكَفِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَذَلِكَ كُلُّ مَا قَامَ فِي الِالْتِذَاذِ مَقَامَهُ منَ الْمُبَاشِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي بَيَّنْتُهَا: مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا فِي غَيْرِ عُذْرٍ، وَجِمَاعِ النِّسَاءِ فِي الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ، يَقُولُ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَدَّدْتُهَا لَكُمْ، وَأَمَرْتُكُمْ أَنْ تَجْتَنِبُوهَا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَجْتَنِبُوهَا، وَحَرَّمْتُهَا فِيهَا عَلَيْكُمْ، فَلَا تَقْرَبُوهَا، وَابْعُدُوا مِنْهَا أَنْ تَرْكَبُوهَا، فَتَسْتَحِقُّوا بِهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي، وَخَالَفَ أَمْرِي وَرَكِبَ مَعَاصِيَّ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ: " حُدُودُ اللَّهِ ": شُرُوطُهُ. وَذَلِكَ مَعْنًى قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ " حَدَّ " كُلِّ شَيْءٍ: مَا حَصَرَهُ مِنَ الْمَعَانِي وَمَيَّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ " مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي بِهِ الْمَحَارِمَ الَّتِي مَيَّزَهَا مِنَ الْحَلَالِ الْمُطْلَقِ فَحَدَّدَهَا بِنُعُوتِهَا وَصِفَاتِهَا، وَعَرَّفَهَا عِبَادَهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الشُّرُوطِ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَمَّا " حُدُودُ اللَّهِ " فَشُرُوطُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " حُدُودُ اللَّهِ " مَعَاصِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضِّحَاكِ: " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ " يَقُولُ: مَعْصِيَةُ اللَّهِ- يَعْنِي الْمُبَاشَرَةَ فِي الِاعْتِكَافِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: كَمَا بَيَّنْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَاجِبَ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّوْمِ، وَعَرَّفَتْكُمْ حُدُودَهُ وَأَوْقَاتَهُ، وَمَا عَلَيْكُمْ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، وَمَا لَكُمْ فِيهِ فِي السِّفْرِ وَالْمَرَضِ، وَمَا اللَّازِمُ لَكُمْ تَجَنُّبُهُ فِي حَالِ اعْتِكَافِكُمْ فِي مَسَاجِدِكُمْ، فَأَوْضَحْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ لَكُمْ- فَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ أَحْكَامِي، وَحَلَالِي وَحَرَامِي، وَحُدُودِي، وَأَمْرِي وَنَهْيِي، فِي كِتَابِي وَتَنْزِيلِي، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يَقُولُ: أُبَيِّنُ ذَلِكَ لَهُمْ لِيَتَّقُوا مَحَارِمِي وَمَعَاصِيَّ، وَيَتَجَنَّبُوا سَخَطِي وَغَضَبِي، بِتَرْكِهِمْ رُكُوبَ مَا أُبَيِّنُ لَهُمْ فِي آيَاتِي أَنِّي قَدْ حَرَّمَتْهُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَتْهُمْ بِهَجْرِهِ وَتَرْكِهِ.
|